غير مصنف

غزه لآهلها

مقال
بقلم /هاني عبدالقادر سليمان

عقب طوفان الأقصى، أصيبت الدولة الإسرائيلية بحالة من التخبط دفعتها للعداء المباشر وغير المباشر لدول الجوار، في محاولة لاستعادة توازنها واستعادة ما يسمى بحائط الردع، وخرج علينا اليمين المتطرف بخرائط ما أُسمي بـ “إسرائيل التاريخية” أو دولة “السامرة ويهوزا”، والتي تضم أجزاء من سوريا ولبنان وأراضي فلسطين .

وسط الحرب، حاولت إسرائيل دفع الفلسطينيين عبر المجازر المروعة في حرب الإبادة على غزة للتحرك في اتجاه سيناء، في محاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، وهو ما قوبل برفض مصري تام وفلسطيني.

وهو ما يعيد للأذهان الفكرة التي روج لها زعماء الحركة الصهيونية قبل نشأة إسرائيل، الدولة الوليدة، في محاولة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية تحت شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

المحاولة الإسرائيلية لم تكن الأولى فعقب نكبة 1948 والنكسة في 1967، اقترح إيجال آلون، القائد العسكري الإسرائيلي، خطة على مجلس الوزراء للدخول في تسوية إقليمية تهدف لإقامة حدود مع الأردن، لتكون فيها منطقة غور الأردن من نهر الأردن وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين تحت السيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى منطقة القدس وضواحيها ومنطقة الخليل، بينما تُعاد بقية أراضي الضفة الغربية إلى السلطة الأردنية مع فصل تام بينها.

وفيما يخص قطاع غزة، اقترح ضمه لإسرائيل وتهجير الفلسطينيين خارج القطاع إلى مصر بعد إعادة سيناء، مع الاحتفاظ بالساحل الجنوبي الشرقي لسيناء من إيلات وحتى شرم الشيخ تحت السيطرة الإسرائيلية.

وفي عام 1970، طرح أريئيل شارون، الذي كان قائدًا في الجيش قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، نقل سكان قطاع غزة إلى سيناء.

عقب انتهاء الحرب بين مصر وإسرائيل عام 1973 والدخول في اتفاقية السلام، بدأت حالة من الهدوء تسود الأمور، لكن الأمر لم يدم. ففي عام 2004، عادت الأطروحات الإسرائيلية مرة أخرى على أيدي جيورا أيلاند، حيث طرح حينذاك أن تتنازل مصر لقطاع غزة عن جزء من سيناء يُنقل إليه الفلسطينيون، مقابل جزء من صحراء النقب بنفس الحجم، وهو المخطط القديم الجديد الذي قوبل بالرفض المصري القاطع.

وعاد المشروع للواجهة مرة أخرى عام 2013 على يد يوشع بن أريه، تحت مسمى “الوطن البديل للفلسطينيين في سيناء”، وهو بالأساس نفس الطرح السابق.

مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض في 20 يناير 2017، عاد الطرح مرة أخرى في صورة ما أُسمي في الإعلام حينذاك بـ “خطة القرن”، والتي استندت إلى المتغيرات في المنطقة واستغلت تمدد النفوذ الإيراني وكثرة الحروب لطرح دخول إسرائيل كطرف فاعل في الصراعات الإقليمية وراعٍ للمصالح الأمريكية، طُرحت “السلام مقابل السلام”، وتم إبعاد حل الدولتين عن الطاولة وإعادة طرح فكرة الوطن البديل، وهو ما فشل في تحقيقه وتحول بعد ذلك إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية” .

ومع طوفان الأقصى، عاد الطرح من جديد عبر اليمين الإسرائيلي، وظهرت خرائط ما يسمى بـ “إسرائيل الكبرى” مرة أخرى، مع الحديث عن عودة الاستيطان في الضفة واحتلال أجزاء من لبنان وسوريا تحت ذريعة بناء مناطق عازلة، والتهجير الطوعي أو القسري لأهالي غزة، ومحاولة الضغط على مصر لفتح الحدود، وهو ما قوبل بالرفض عبر المظاهرات الشعبية والتحرك الحكومي المصري والقرار الفلسطيني الشعبي.

مع وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى، عاد الرجل كأن شيئًا لم يكن ليطرح التهجير الجزئي لسكان غزة في محاولات للضغط على مصر والأردن لاستقبال الفلسطينيين، وهو ما قوبل بالرفض الشعبي والحكومي والفلسطيني مرة أخرى.

الأزمة الحقيقية أن الطرح سيظل قائمًا؛ فهو يختفي ثم يعود للسطح بين الحين والآخر، الأطماع الإسرائيلية لا تنتهي، فهي دولة في تكوينها استيطاني تسعى لاحتلال أراضي الغير لحل أزماتها. وعقب الطوفان، أصبحت إسرائيل تفكر بعقلية السلاح وإعادة بناء نفسها عبر الحروب، واستعادة ما حدث في 1948، حتى لو عنى ذلك لها العداء المباشر مع دول الجوار.

لن تنتهي تلك الأزمة إلا بالوصول إلى حل الدولتين ووضع حدود بين الدولتين. ما عدا ذلك هو استمرار لصراع لا نهاية له، فمع كل المحاولات الإسرائيلية للقضاء على الفلسطينيين، استمر الشعب الفلسطيني في التواجد في أرضه بل وحافظ على تعداده السكاني. دول الجوار لم تقبل ولن تقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة