القرار المصري لا يُشترى بالأموال لواء دكتور/ سمير فرج
مقترح زعيم المعارضية الإسرائيلية يائير لابيد القرار المصري لا يُشترى بالأموال لواء دكتور/ سمير فرج

مقترح زعيم المعارضية الإسرائيلية يائير لابيد
القرار المصري لا يُشترى بالأموال
لواء دكتور/ سمير فرج
فوجئت مصر باقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بأن تتولى مصر إدارة قطاع غزة للسنوات الثماني المقبلة، على الأقل، مع خيار أن تمتد إلى ١٥ سنة، عقب نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس، مقابل سداد المجتمع الدولي، والحلفاء الإقليميين، للديون الخارجية لمصر، والتي تقدر بنحو ١٥٥ مليار دولار.
جاء ذلك في كلمة ألقاها لابيد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، وكذلك في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، مضيفاً أنه سيتم، خلال تلك الفترة، إعادة إعمار غزة، مع تهيئة الظروف لحكم ذاتي في غزة.
على أن تكون مصر اللاعب الرئيسي في الإشراف على عملية إعادة الإعمار، وهو ما من شأنه تعزيز الاقتصاد المصري، ودفع عملية النمو. كما تضمن اقتراحه تولي مصر، خلال فترة الإدارة المقترحة، مهمة نزع سلاح كافة فصائل المقاومة الفلسطينية.
والواقع أن تلك لم تكن المرة الأولى لذلك المقترح، إذ تردد نفس المعنى، بعد شهر من بدء الهجوم يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وتحديداً أثناء زيارة ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، إلى مصر.
عندما عرض على الرئيس عبد الفتاح السيسي، اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية بأن تتولى مصر إدارة قطاع غزة بعد خروج إسرائيل من القطاع، وذلك لمدة ستة أشهر، تقوم فيها مصر بإدارة انتخابات داخل قطاع غزة، لتعيين حكومة تكنوقراط من الفلسطينيين.
وتضمن الاقتراح الأمريكي تولي الولايات المتحدة تكاليف إدارة مصر للقطاع، خلال المدة المُقترحة، والتي قُدرت، حينئذ، بمبلغ ٣ مليار دولار، فضلاً عن إمداد مصر بمعدات لواء مشاة ميكانيكي، لاستخدامه في عملية السيطرة على غزة خلال مدة الستة أشهر.
إلا أن الرئيس السيسي، رفض ذلك الطرح الأمريكي، رفضاً قاطعاً، في ذات الاجتماع، مؤكداً أن إدارة قطاع غزة، بعد انسحاب إسرائيل، يجب أن يكون بيد السلطة الفلسطينية، في رام الله، كما كانت من قبل.
لم تكن تلك آخر المقترحات، وإنما ظهر العديد منها بعد ذلك، من بينها تكوين قوة عربية، تضم مصر، لإدارة القطاع لمدة ستة أشهر، وهو ما رفضته مصر مرة أخرى، وكانت مصر لإصرارها على سيادة السلطة الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
فظهرت اقتراحات أخرى كأن يتم السيطرة على قطاع غزة بواسطة قوة من دول الاتحاد الأوروبي، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما واجهته مصر بالرفض. واقترحت إسرائيل أن تتولى بعض العشائر الفلسطينية، الموالية لإسرائيل، إدارة قطاع غزة خلال الستة أشهر، وهو ما رفضته مصر أيضاً.
كما فشل اقتراح الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، والحالي، دونالد ترامب، بترحيل سكان غزة إلى سيناء والأردن، أمام الرفض المصري القاطع من الرئيس السيسي، الذي أيدته كافة أطياف الشعب المصري.
وجاء اقتراح يائير لابيد، اليوم، بتولي مصر إدارة غزة ونزع سلاح حماس، ليكون بمثابة اعتراف واضح بفشل إسرائيل، بعد ١٦ شهر من القتال، في القضاء على حماس.
وهو الأمر الذي سيكون أحد نقاط المساءلة بعد انتهاء الحرب، إذ سيتم، بلا شك، محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان جيشه ومدير المخابرات، الذين فشلوا، جميعاً، في تحقيق ما أعلنوه من أهداف، عند بدء الحرب، والتي كان من بينها القضاء على حماس.
وقد تابعت ردود الأفعال على رفض مصر لمقترح لابيد، من خلال مختلف وسائل الإعلام المصرية والعربية والأجنبية، التي أجمعت على أن ما حدث لا يحمل سوى معنى واحد، وهو أن مصر لا تبيع قرارتها بمقابل مادي، وأنها مستعدة لتقبل أي عقوبات من الولايات المتحدة ضدها.
وقد برهنت على ذلك عندما قرر الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، تجميد جزء من المساعدات العسكرية، لمصر، لمدة أربع سنوات خلال فترة رئاسته، ولم تهتم مصر بذلك، حتى تراجع، بايدن، عن قراره، قبل شهر واحد من مغادرته للبيت الأبيض، و صرف ٥٠٠ مليون دولار من المعونة العسكرية التي قام بتجميدها خلال فترة رئاسته.
أما المعونة الاقتصادية التي تبلغ ٢٠٠ مليون دولار، فقد تضاءلت قيمتها بعد التضخم الذي أصاب العالم كله، وبالتالي فإن العقوبات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، حتى وإن ارتفعت قيمتها، لا تؤثر على القرار المصري.
وقد أظهر الموقف الأمريكي صواب وحكمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في قراره بتنويع مصادر تسليح الجيش المصري، وتفادي الاعتماد على دولة واحدة، وما قد يخولها ذلك من محاولة التأثير على قرار الإدارة المصرية، أو محاولة توجيهه.
كما يجب أن يكون معلوماً للجميع، أن مصر تقدم، العديد من التسهيلات العسكرية للولايات المتحدة، مثل حق المرور في المجال الجوي للطائرات الحربية، والأولوية لمرور القطع البحرية الأمريكية عبر قناة السويس، وهو أمر هام جداً للولايات المتحدة، خاصة في فترات الأزمات في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم ذلك، فإن مصر لم تمنع أي من تلك التسهيلات، في أي وقت من الأوقات، رغم التهديدات الأمريكية، لذا وجب التذكير بها، للتأكيد على المصالح المشتركة، وحتى لا يظن أحداً أن لأمريكا اليد العليا.
ومن سابق الخبرات، أؤكد على قدرة مصر على تخطي كافة العقبات الحالية، خاصة وأن وزير الدفاع الأمريكي لا يفضل القيام بأي عملية عسكرية في المنطقة، دون الحصول على الضوء الأخضر من مصر، مثلما حدث في حرب الخليج، وذلك تقديراً من بلاده للدور المصري في تحقيق السلام للولايات المتحدة ولدول المنطقة.
Email: [email protected]
1