لواء دكتور/ سمير فرج يكتب رمضان فى الجيش
ذكريات رمضان في الجيش وأشولة الزبيب

ذكريات رمضان في الجيش
وأشولة الزبيب
لواء دكتور/ سمير فرج
كنت أقضي أيام وليالي رمضان، في طفولتي وشبابي، في مدينتي الحبيبة بورسعيد، واستمتع بطقوسها الرائعة، في هذا الشهر الفضيل، حتى انتقلت إلى القاهرة، للالتحاق بالكلية الحربية، التي تخرجت فيها بعد عام ونصف العام، للانضمام لصفوف القوات المصرية المحاربة، حينئذ في اليمن، فكنت أصغر ضابط تخرج من الكلية الحربية، عمري لم يتجاوز السابعة عشر.
أذكر أول رمضان مر عليّ، بعد سفري لليمن، وأذكر تفاصيل أول عملية عسكرية أشبك بها، وأنا ضابط حديث الرتبة والسن، في عمر 18 عاماً، حينما كُلّفتُ، أنا وفصيلتي، بالهجوم على منطقة “التبة السوداء”، وهي منطقة محدودة المساحة، لا تستوعب إلا نحو 50 مقاتل، فاقتحمنا الجبل، ونجحنا في صد هجوم الفصائل اليمنية المضادة، واستُشهد، في هذا اليوم، شاويش القنصلية.
في اليوم التالي، استيقظت على بلاغ من القائد يطلب مني التمسك بموقعي، لحين وصول قوات من صنعاء لفك الحصار، بعدما تم حصار قوتي، وهو ما قد يستغرق يومين أو ثلاثة. في اليوم الأول، كان معنا ما نسميه “تعيين الطوارئ”، وهو قالب فولية، استخدمناه للسحور في الليلة السابقة.
وفي اليوم التالي، لم يكن لدينا ما نأكله عند آذان المغرب، فنظرت حولي، ولم أجد إلا الجبل، الذي تنبت عليه بعض الحشائش، المستخدمة في رعي الأغنام.
إلا أنني لمحت قرية أسفل الجبل، بها بئر من مياه الأمطار، فجلسنا نراقبها لساعات، حتى تأكدت أن أهلها قد هجروها، بسبب شدة النيران، فقررت إرسال دورية لاستكشافها، وفق خطة محكمة لتأمين أفراد الدورية، والحفاظ على سلامتهم، على أمل أن نجد بالقرية ما يسد رمقنا، أنا وجنودي.
ونزل عدد من الجنود، بالفعل، إلى القرية، إلا أنهم وجدوها خالية، وأن الأهالي حملوا متاعهم قبل مغادرتهم، حتى صاح أحد الجنود، عبر اللاسلكي، “يا فندم … في أشولة زبيب!”
فيبدو أن أهالي القرية تخصصوا في زراعة العنب، الذي تشتهر به اليمن، إذ وجد الجنود الكثير من جوالات الزبيب، التي تركها الأهالي خلفهم، لعدم قدرتهم على حملها في رحلتهم. وعاد جنودي سالمين، يحملون ثلاث من جوالات الزبيب، وبعض المياه من بئر القرية، اعتمدنا عليهم، طيلة الأيام الثلاثة التي قضيناها في أعلى الجبل، لإعداد وجبة شهية من الزبيب المنقوع في الماء، لتناولها في الإفطار والسحور.
ومنذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا، لازال طبقي الأول، بعد الشوربة، هو الزبيب المنقوع في الماء، الذي تحرص أسرتي على تجهيزه لي، طوال أيام شهر رمضان، تخليداً لذكرى أيام قضيتها على جبال اليمن، لم أنساها يوماً، كما لم أنس أي من تفاصيل أيامي بالجيش المصري العظيم.
Email: [email protected]